كريمة كاظم السعدي
رحلة طويلة في ميدان التأمل والحلم وحب الفن بدأها منذ طفولته في قمة جبل في عانات العراق على الفرات الأعلى، وهو يتأمل المشهد الفراتي والمدينة المختلطة بيوتها مع بساتينها.
ما من فنان عراقي امتزج تاريخ الحركة الفنية التشكيلية بسيرته الذاتية مثل نوري الراوي، فالرجل الذي تجاوز الثمانين من عمره، استطاع أن ينجز أسطورته الشخصية بشعور عظيم من المسؤولية إزاء ما كان يقع إلى جواره من أحداث فنية هي في حقيقتها مرايا متشظية لأحلامه، فلم تكن عين الشاعر «الراوي» وهو أول من كتبوا قصيدة النثر في العراق، الذي سكنته منذ أربعينيات القرن الماضي، إلا نافذة أطلت من خلالها يد الرسام الذي صار فيما بعد، ما بين الشاعر والرسام، كان هناك الناقد الذي يسهر على أوراقه ليطورها بقدر هائل من الكدح والصبر والألمعية والإخلاص والصدق.
وإذا كان الراوي دائم الاحتفال بما فعله، فقد فعل ذلك لأنه كان يدرك أن الأصوات التي تقيم في أعماقه إنما هي خلاصات ذلك النشيد الشامل الذي اجتهدت مئات الحناجر في صنع إيقاعاته، كان الراوي دائماً بين حشد من الفنانين الذين حلقوا بعيداً عن أزمتهم، ليكون لهم قصب السبق في التلويح بأكفٍّ بيضٍ تشير إلى الجهة التي لم تكتشفها المخيلة بعد.
* رغم الصعوبات التي واجهتك في مشوارك الفني ورحلتك الطويلة، استطعت أن تحقق الكثير، ماذا تذكر من أحلامك وطموحاتك ورحلة عمرك الشاقة؟
- بدأت رحلتي منذ الطفولة عندما كنت أجلس على قمة جبل في عانة تلك المدينة التي تطل على الفرات الأعلى وأمتع نظري بالمشهد الفراتي والمدينة التي تختلط بيوتها مع بساتينها، ثم تطورت هذه الأفكار وبدأت أتأمل الطبيعة وأنا في الصف الخامس، وأصبحت خطيباً للمدرسة ولا زلت أحتفظ بدفتر الإنشاء وهو مؤرخ في تاريخ 1934، بدأت أرسم نشرات كارتونية لدرس المحادثة باللغة الإنجليزية، ثم انتقلت إلى بغداد وأنا في الصف السادس، دخلت المدرسة الكرخية في المرحلة المتوسطة، ودخلت لأول مرة إلى بيت العبادة الأول كما أسميه أنا إلى المرسم، واطلعت على رسوم أشهر الفنانين وصورهم في مجموعة رشاد حاتم التي كان يحتفظ بها مجموعة «فيمس بينتنك فور فيمس برنتر»، بعدها تأملت الطبيعة ورسمت النخل والقمر ودجلة والفرات وبألوان الباستيل، لأننا في وقتها لم نعرف الألوان الزيتية، منها انتقلت إلى معهد المعلمين وهناك فتحت أمامي أبواب جديدة على الرسم، وخصوصاً على يد أستاذيّ بهجت عيوشي وقاسم ناجي «رحمهما الله» وتعرفت في حينها إلى كبار الرسامين والشعراء، وربطتني بهم علاقات جميلة من الود والاحترام والصداقة.
* أنت لم ترسم فقط وإنما كتبت الشعر؟
- بدأت أكتب الشعر في عام 1937 ونشرت أول قصيدة للشعر المنثور في الصحف العراقية والمجلات ومنها «المناهل – الرافدين»، وقال لي مرة الأديب الكبير «رحمه الله» جواد الطاهر «أنت أول من كتب الشعر المنثور في العراق»، بعدها تطورت كتاباتي، وأرسلت كتاباتي أيضاً إلى مجلات «الأمالي والعرفان والأديب» التي تصدر في بيروت سنة 1940.
* أول جدارية رسمتها وأنت في الخامس الابتدائي، كيف استطعت ذلك وأنت لم تتعلم الرسم؟
- رسمت أول جدارية في مدرسة راوة الابتدائية، ولونتها بالألوان التي كانت تستخدم في صبغ النسيج والقطن والصوف، وكررتها في مدرسة الغربية التي انتقلت للتدريس فيها، وأيضاً في ثانوية الرمادي وكان من طلبتي سعدون غيدان وتايه عبدالكريم وعبدالرزاق نايف ويوسف نمر ذياب وشعراء آخرون.(1)
* ومتى كان لقاؤك مع الشاعر الكبير الرصافي؟
- كان عام 1941 أخذني إليه صديقي فؤاد عباس وكان يدرس بدار المعلمين معي، وطلبت منه أن يعرفني إليه، وبالفعل قابلته وجلسنا معه ساعة في مقهى في الأعظمية قرب جسر الأعظمية القديم، وتعرفت أيضاً إلى كبار الأدباء والمستشرقين، ومنهم المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون إلى جانب الأب أنستايس الكرملي.
* رسمت المرأة، فماذا تشكل في حياة الراوي؟
- المرأة كل شيء هي الحبيبة والصديقة والأخت والزوجة، وأنا لم أرسمها موديلاً إلا مرة واحدة في حياتي عندما كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة، وإحدى صوري التي رسمتها عن المرأة وهي تحمل فوق كتفها الطائر كنت أرمز إلى الأمل والغناء الذي يغرد به الطائر لها.
* رسمت أيضاً موناليزا العراق والشناشيل والمدينة الفراتية الخيالية، هل هناك مدينة خيالية؟
- رسمت المدينة الفراتية وأقصد بها مدينة عانة وراوة بصورة خيالية، لأن الطبيعة الفراتية لم يعرفها أحد غيري، والفراتية من أجمل مناطق العالم، ومع الأسف ذهبت أدراج الريح بعدما جرفت من قبل دائرة الآثار، وذهبت معها نواعيرها وفلاحوها وبساتينها.
* أول معرض افتتح للفنانين العراقيين متى كان؟
- كان عام 1958 أي بعد الثورة بشهر، وافتتحه الملك عبدالكريم قاسم وكان معرضاً شاملاً للفنانين العراقيين وتلتها عدة معارض، وكنا قبلها قد أسسنا جمعية للفنانين العراقيين عام 1956 واتخذنا مكاناً في نادي المنصور وأقيم بعده بسنة معرض 1957 افتتحه حينها الملك فيصل الثاني، وقد طلبت من الملك عندما جاء للافتتاح أن يخصص لنا أرضاً للجمعية، وبالفعل التفت إلى رئيس الديوان الملكي تحسين قدري وأسرّ له بكلمة وبعد شهر جاء أحد موظفي الطابور وأقطعونا أرضاً على شارع دمشق موضع جمعية الفنانين الحالي، وبقيت الأرض عشر سنوات ولم يكن لدينا مال كي نبني عليها، إلى أن جاء روبرت كولبنكيان وكان له حصة 5% من النفط العراقي وكان معه مفيد كولون الذي كان يعمل وسيطاً بين الحكومة التركية وشركات العراق، وقد قامت المؤسسة بإنشاء عدة مشاريع معها، منها ملعب الشعب الدولي وجمعية الفنانين العراقيين، وعندما زار العراق حفيد كولبنكيان رافقه اثنان من الفنانين العراقيين هما خالد الجادر وحافظ الدروبي «رحمهما الله».
* نوري الراوي إلى أي مدرسة ينتمي؟
- أنا لم أنتمِ إلى أي مدرسة ورسمت التعبيري والتجريدي والحديثي والحر، ولكن الفنان يبقى جزءاً لا يتجزأ من عالمه الخاص.
* أسست الكثير من المتاحف، وكان لك الفضل الأكبر فيها، ما هي؟
- أسست المتحف الوطني ومتحف الرواد ومتحف الرواق، وكان مشواراً صعباً من أجل تأسيسها، وقادتني المصادفة إلى تأسيسه عندما كنا جالسين مع طه باقر مدير الآثار العامة قابلنا وزير الإرشاد بشأن هذا، وبعدها أنشئت وزارة الإعلام وكان في قسم الإرشاد مديرية الدعاية العامة بالمعهد الملكي، وأنشئت هذه الوزارة باسمها وأصبحت وزارة الثقافة والإعلام فيما بعد، واستطعت إقناع الوزارة بشراء أعمال الفنانين الكبار أمثال إسماعيل الشيخلي وشاكر حسن آل سعيد وسعد الطائي وجواد سليم، وقد طلبت من باقر وهو مؤسس الفن الحديث أن نؤسس متحفاً لكبار الفنانين، بالفعل عملنا مع متحف التراث، حيث كان يشرف عليه ساطع الحصري في عهد الملك فيصل، فقمنا بجمع الأزياء من الشمال والجنوب ومن القرى والأرياف والبادية، وكذلك الحلي والأواني الفخارية إلى أن وصلت ما يقارب (200) قطعة جلبناها للمتحف الوطني، وقمنا بتخزينها على أمل إنشاء متحف للأزياء والتراث الشعبي والمأثورات الشعبية، ومن هنا بدأت سلسلة الكفاح الجديد من أجل الحصول على البيت لجعله متحفاً، وقد كلف في وقتها المهندس المعماري قحطان حسن المدفعي، لأن المعماريين كانوا ينتسبون أيضاً إلى جمعية الفنانين وقد طلبنا من الوزارة مبلغ (10000) درهم ولم توافق، وبقيت هذه القطع مخزونة إلى أن جاء ضياء العزاوي وكان مديراً للآثار واستلم المجموعة، وبنى أحد البيوت البغدادية في عهد عبدالرحمن النقيب، وعهدت إلى الوزارة بصيانة بيت أحد الشيوخ كان أول رئيس وزراء في حكم الملك فيصل الأول، وكان بيته يقع على نهر دجلة، وأرادت أمانة بغداد أن تعمل منه مطعماً سياحياً، وقد استطعنا أن نضع أيدينا عليه وعملنا منه متحفاً للرواد، وكان معلماً حقيقياً يليق بأسماء الفنانين الكبار أمثال جواد سليم وفايق حسن.
* وما قصة فايق حسن ومتحفه؟
- بعد وفاة فايق حسن «رحمه الله» في باريس 1992 بقي بيته فارغاً وسرق ثلاث مرات، وكانت الوريثة الوحيدة من عائلته التي بقيت هي حفيدة أخي فايق واسمه توفيق، لذلك آلت إليها التركة بالمحاكم الشرعية، وقررت الحكومة أن تعمل منه متحفاً لفايق، وقمنا بالفعل بصيانته وصيانة جميع أعماله، وخرجت منها أروع لوحاته الفنية وحصلت أيضاً على وثائق رسمية وكتب ورسائل حب ووثيقة مهترئة كتب فيها ثلاثة سطور، أولها يقول فيها «تخرجت من مدرسة العوينة الابتدائية سنة 1934، ودرست اللغة الفرنسية في الثانوية المركزية والسطر الثالث لا أتذكره»، وهذه الأسرار لم يعرفها أحد، وكيف أنه أرسل إلى باريس وقد سجل له حديث يقول فيه «كنت جالساً في حديقة البلاط الملكي أرسم لوحة، وكان الملك فيصل يسير في الحديقة وانتبه إليّ وجاءني وطلب مني أن أرسم لوحة قد جلبها هو ورسمتها بالفعل، وكانت طبق الأصل بحيث لم يفرق بينهما، ومن هناك جاءت فكرة الملك أن يرسل فايق إلى باريس لتعلم الرسم، وبالفعل اتصل الملك بساطع الحصري الذي كان مديراً للمعارف العامة وسأل عن فايق وطلب منه إرساله إلى باريس، وبالفعل تم الأمر وتخرج في «البوزارت» أشهر مدرسة فرنسية في الرسم، وعاد إلى العراق وهو يحمل شهادة بالفن، ولم يكن أحد قبله سوى أكرم شكري الذي درس في لندن وقد أرسلته الحكومة عام 1931 – 1932.
* وأنت، أين كانت دراستك، ألم تسافر إلى الخارج؟
- أنا درست في معهد الفنون الجميلة في بغداد سنة 1962، ثم سافرت إلى يوغسلافيا ودرست التصميم الخاص بالمجلات والكتب، وأرسلتني مؤسسة كولبنكيان إلى لشبونة «مؤسسة الفن الحديث» لتعلم فن تنظيم إدارة المتاحف، ودرست أيضاً فن ترميم اللوحات الفنية.
* كتبت أول دراسة تحليلية لرسوم الأطفال عام 1945، كيف خطرت ببالك؟
- جمعت شواهد مختلفة من المدارس وطرقت باباً لم يعرفه أحد سواي وهي رسوم الأطفال وتحليلاتها، وقد اخترت نماذج من رسومات الأطفال وتوصلت إلى ما يدور في أذهانهم وما يتمناه الطفل، ونشرت هذه الدراسة في مجلة «المعلم الجديد» عام 1945 وكانت المجلة تصدرها وزارة المعارف، وكانت مكسباً للمجلة أن تنشر بحثاً معززاً بموضوعية في وقت كانت هذه الدراسة متأخرة في أوروبا، وبعدها عملت مؤتمرات لرسوم الأطفال ودراسات وتحليلات.
* أول صحيفة للفن التشكيلي متى أسستها؟
- كانت في جريدة الزمان البغدادية عام 1952، كتبت فيها مقالات تحت عنوان «الفنون الجميلة» ورسمت عناوين المجلة ووضعت صفحاتها الفنية منها السينما والمسرح والموسيقى والفنون الجميلة، وسجلت هذه الفترة في زمن ثورة 1958.(2)
* ورحلتك مع الفنان منعم فرات «رحمه الله» والفن الفطري؟
- لم يكن أحد يلتفت إلى الفن الفطري في وقته، في حين أن هناك دولاً كثيرة تعنى بهذا الفن الراقي وله مدارس ومتاحف، ومنعم فرات «رحمه الله» أول من عني بهذا الفن، وهو لم يدرس الفن ولا يعرف معناه، بل كان يعمل بالزراعة ويعمل منحوتات صغيرة ويبيعها، واكتشفه أكرم فاضل الذي كان مديراً للفنون والثقافة الشعبية وكان من خريجي فرنسا، وكان يشتري منه هذه المنحوتات الصغيرة ويجلبها معه إلى المتحف: وكان منعم «رحمه الله» من سكان الرحمانية في بغداد الكرخ، وفي حينها طلب منه أكرم أن يعمل له منحوتات كبيرة، وبالفعل كان ينحت المرمر وبأحجام كبيرة وجميلة، وعلى إثره عين منعم فرات في وزارة المعارف، ومن هنا بدأ الفن الفطري في العراق، ولم يحالف الحظ منعم أن تخرج أعماله وهو في حياته، حيث عرضت عليه المشاركة في المعرض الدولي للفن الفطري في أوروبا، ولكن شاء القدر أن يحرمه، فقد توفي بحادث دهس بالسيارة، ولكنني استطعت إيصال مشاركته إلى المعرض وحاز الجائزة الأولى.
هناك في راوة مدينة عراقية تهدينا فناناً ستروى قصته للأجيال القادمة مثلاً، بل مدرسة عراقية وعربية، ورغم عضويته في نادي الثمانينيات، فإنه يراها تمثيلاً لمرحلة الإعداد من أجل الوصول إلى النضج.
نوري الراوي الذي روى بفنه تساوياً مع دجلة والفرات، يرى أن تجربته، هي تراكم وتمثيل من أجل النضج، وياليتهم يعرفون ممن هم أنصاف الفنانين والنجارين والصباغين، وممن مازالوا يعلقون ويرسمون أعمالهم بالمقلوب ولا يدرون ماذا يرسمون، إلا من بعض المصطلحات الفنية المعروفة.
الراوي يعطينا درساً من دروس التواضع الفني، ودائماً يردد «أنا أتعلم من صغار الشباب».
والمتلقي لأعماله يقرأ حلمه المتفرد خاصة في رسوماته للمدينة المتعلق بها «راوة» مدينته المرسومة، هي خالية من السكان، وهنا لغز اللغز، لا يعرف الحل إلا ذاكرة الراوي شخصياً، حيرنا بمدينته وهل الناس هم بداخلها أم خارجها، هو يحلم منذ أن كان صغيراً في بغداد التي اختفت مصابيحها، وهذا الشعور الحزين رغم ألوان الفرح التي يطرحها في أعماله.
مدينة القباب هي خيالية وموجودة في ذاكرته، رغم ضبابيتها وقبابها هي العالم اللامنتهي لديه.
يردد الراوي دائماً المدينة الخيالية هي «سيمفونية الإشراق الكوني الصادحة بالحب للإنسان وللأرض، إنها الرحلة الدائمة الضياء التي تحولت إلى ذكرى، بعد أن كان التاريخ يتلوى في أزقتها التي تختزل عبقرية المكان، كما يقول عن مدينته «هي ليست معماراً أو جداراً بقدر ما هي حالة ذهنية تحولت بفعل التدريب التشكيلي إلى تكوين أثير، وهذه المدينة هي أنا» وهذا ما أردت بأن أبوح به للآخرين، إنه المكان المجازي الذي ولد به الحلم ومنها انتشرت مسارب النور.
نعم، فقصة الراوي، هي القصة التي لم تنته بعد، ولا أريد التحدث عنه وعن سيرته الفنية، فهو رائد مثل فائق حسن وجواد سليم ومحمد غني حكمت وآخرين.
الراوي حمل وتحمل ذاكرة وطن فنية، وأستأذنكم بأن أعلن أن هناك دجلة والفرات والنهر الثالث، هو الراوي.
ألوان فرح تتجدد، ويكفي أنه أغمض عينيه وشاهد الحداثة في عيونه ومن أعمال زملائه الفنانين أبناء جيله وكتاباته النقدية وصولاته بالقراءة والنقد والكتابة وتأسيسه للمتحف الوطني للفن الحديث عام 1962، ولظروف الحرب الأخيرة على بغداد وما جاءت به، فقد الراوي أكثر من سبعة آلاف عمل فني عراقي وعربي، فهو يروي قصته بكل ألم، ومعها يتمنى الراوي أن تأخذ الجهات المختصة الرسمية بعين الاعتبار المحافظة على ما تبقى من أعماله التي لم تسرق، ويتمنى أن يكون الاهتمام بها دولياً، كما ينوه في لقاءاته الفنية، ولا أدري لعله يقرع لنا الجرس وبصوت خفي، وهو يردد ويعلن أن حياته عليها أن تستمر بعد رحيله من خلال أعماله (أطال الله في عمره).
سيأتي الزمن الذي سيصنف به الراوي، بأنه ليس رساماً وفناناً وناقداً فقط، ولن يتوقف عند ميوله الشعرية والنقدية وكتاباته الأدبية، بل سيذهب أبعد من ذلك، من يدري قد يدخل عالم الفنانين الفلاسفة، لأنه عجين تجربة وخبز أيام حلوة ومرة صعبة، وأيقونة صراع عمري يتنفس من ذاكرته ويختصر الزمن، ودليلنا على ذلك ميوله إلى حداثة التجريب في حين أن زملاءه رسموا الواقعية التأثيرية.
نوري الراوي تشرفت بأن أكتب عن تاريخك اللوني ونثرات من قطرات صغيرة من تجربتك، ولكنني أعدك بأنني سوف أستمر بالحبو كالطفل إلى جانب أعمالك ومدينتك الخيالية، وأدعو الجميع إلى السفر مع أعمال الراوي ففيها من المتعة والعلم والدروس والعبر، وأنصحكم بألا تكابروا بوصولكم للفن، فمازلنا في الدرجة صفر.
--------------------------------------------------------------------------------------
(1)إن مجاميع التماثيل التي وجدت في مواقع ومدن مختلفة من بلاد وادي الرافدين «تتشابه في نقاط أساسية، فهي في حالة الوقوف أو الجلوس ذات رؤوس وعيون تتجه إلى أمام مع تشابك اليدين أمام الصدر، ومع ذلك فهناك فروق لتفاصيل ثانوية تختلف من موقع إلى آخر»
--------------------------------------------------------------------------------------
(2) --------------------------------------------------------------------------------------
قد حاول النحات الأكدي التقرب في أشكاله من الصياغة الواقعية «ولا بد أنه كان يسعى إلى تثبيت دعائم مدرسة في النحت تتمثل بترك النهج التجريدي واستقصاء أمور أعمق للتوصل إلى المنهجية الواقعية في التعبير، غير أن الفنان الأكدي في زمن سرجون (2371-2361 ق.م) لم يترك المفاهيم الفنية التي سادت قبل المرحلة الأكدية، بل كانت مسيرته عبارة عن تواصل طبيعي بين دور فجر السلالات الأخير (الثالث) والعصر الأكدي»
--------------------------------------------------------------------------------------
http://www.arrafid.ae/arrafid/p21_4-2012.html